يمثل التعليم حجر الأساس
في بناء أي مجتمع، غير أن الواقع التعليمي في مصر يواجه تحديات حقيقية تهدد فعاليته
وجودته. ورغم الجهود الحكومية لتحسين المنظومة التعليمية، فإن العديد من المشكلات المتراكمة
عبر العقود لا تزال تلقي بظلالها على العملية التعليمية، بدءًا من تدني المستوى الأكاديمي،
وصولاً إلى ممارسات غير إنسانية مثل تنمّر بعض المدرسين على الطلاب ووقائع الاعتداء
والتحرش من قبل بعض العاملين داخل المدارس الخاصة والدولية.
هذه المشكلات لا تمس فقط
قطاعًا خدميًا، بل تهدد البنية الأخلاقية والأمن النفسي لملايين الطلاب.
أولاً: مظاهر تدني مستوى التعليم في مصر
1. ضعف البنية التحتية والموارد
حيث تعاني العديد من المدارس،
خاصة الحكومية، من تكدّس الفصول، نقص الأدوات التعليمية، وعدم ملاءمة البيئة المدرسية
لعملية التعلم الحديثة.
المدرس الذي يقف أمام
70 طالبًا في الفصل الواحد لن يتمكن من تقديم تعليم فعّال مهما كانت كفاءته.
2. اعتماد منهجية الحفظ والتلقين
لا يزال جزء كبير من العملية
التعليمية في مصر يعتمد على التكرار والحفظ بدلاً من التحليل والإبداع والتفكير النقدي.
الطالب يتعلم من أجل الامتحان
وليس من أجل الفهم أو اكتساب المهارات.
3. تدني كفاءة بعض المعلمين
رغم وجود معلمين أكفاء،
إلا أن هناك فئة تفتقر إلى التدريب المستمر والمهارات التربوية الحديثة، وهو ما يؤدي
إلى ضعف في قدرة الطالب على الفهم والمتابعة، ويخلق فجوة بين المعلم والطالب.
ثانياً: التنمر المدرسي… جرح صامت يطال الأطفال
1. تنمر المدرسين على الطلاب
ظهرت خلال السنوات الأخيرة
شكاوى لا تحصى تنتقد قيام بعض المدرسين بممارسات تنمّر لفظي أو بدني ضد الطلبة، مثل:
السخرية من هيئتهم أو درجاتهم
التقليل من قدراتهم
العقاب البدني
الإهانات العلنية أمام زملائهم
سؤالهم عن حياتهم الشخصية
هذه الممارسات تؤدي إلى
تدهور الثقة بالنفس وانعزال الطفل، وقد تترك ندوبًا نفسية طويلة الأمد.
2. التنمر بين الطلاب
غياب الرقابة الكافية داخل
المدارس، وازدحام الفصول، يؤدي إلى انتشار العنف بين الطلاب في غياب حلول جذرية،
وتراخي الادارة.
ثالثاً: الاعتداءات والتحرش… كسرٌ لحرمة المدرسة
ظهرت في الآونة الأخيرة
حوادث مؤسفة تتعلق باعتداءات جنسية على الأطفال داخل بعض المدارس الخاصة والدولية،
تورط فيها عمال أو سائقو حافلات مدرسية.
هذه الحوادث ليست مجرد
تجاوزات فردية، بل مؤشر خطير على وجود خلل في:
منظومة التعيين
آليات الرقابة
غياب التدريب الأخلاقي والتربوي
ضعف تطبيق المعايير الأمنية داخل المدرسة
فالمدرسة يجب أن تكون المكان
الأكثر أمانًا للطفل، لا موقعًا محتملًا للخطر.
رابعاً: أسباب هذا الخلل المتراكم
1. غياب الرقابة
الفعّالة على المدارس الخاصة والحكومية.
2. ضعف اختيار العاملين وعدم إجراء
فحص السجل الجنائي أو التدريب الإلزامي.
3. قصور في برامج تأهيل المعلمين تربويًا
ونفسيًا.
4. ازدحام الفصول وانشغال المعلمين
بالمناهج الكثيفة والروتين الإداري.
5. ضعف الثقافة الحقوقية لدى أولياء
الأمور والطلاب بشأن حقوق الطالب داخل المدرسة.
خامساً: كيف يمكن إصلاح المنظومة التعليمية؟
الإصلاح الحقيقي يبدأ من
الاعتراف بالمشكلة، ثم تطبيق إجراءات متكاملة تشمل:
1. تدريب إلزامي وشامل للمعلمين
يجب تدريب المعلمين على:
مهارات التعامل النفسي مع الطلاب
أساليب التعلم الحديثة
منع التنمر
إدارة الفصل بدون عنف
وذلك من خلال برامج معتمدة
تُجدد كل عامين.
2. تشديد إجراءات تعيين العاملين في المدارس
يتضمن ذلك:
فحص السجل الجنائي
اختبار نفسي وسلوكي
دورات تدريبية في حماية الطفل
رقابة مستمرة على العاملين والسائقين والمشرفين
3. تفعيل كاميرات المراقبة داخل المدارس
لتغطية:
ممرات الفصول
ساحات اللعب
مداخل الغرف
مناطق النزول والصعود من الحافلات
مداخل الحمامات
مع منع وجود أي مناطق معتمة
قد يستغلها المعتدون.
4. تطبيق برامج لحماية الأطفال من التحرش
من خلال:
حصص توعية داخل المدارس
تدريب الأطفال على كيفية طلب المساعدة
خط ساخن للتبليغ الآمن
تعاون بين وزارة التعليم ووزارة التضامن والصحة
5. إصلاح هيكلي للمناهج
بما يحقق:
تطوير مهارات التفكير
تعزيز الإبداع
دمج التكنولوجيا
التحول من ثقافة الامتحان إلى ثقافة التعلم
6. إشراك المجتمع والأسرة
فالأسرة شريك رئيسي، ويجب
أن تشارك في:
مراقبة سلوك الأبناء
متابعة المدرسة
تقديم الشكاوى عند الحاجة
تعزيز ثقة الطفل بنفسه
إن التعليم ليس مجرد فصول
وكتب؛ بل منظومة قيم وأمان وإبداع.
ووقائع التنمر والاعتداء
داخل المدارس ليست مجرد حوادث عابرة، بل جرس إنذار ينبه المجتمع كله إلى خطورة ترك
الأطفال في بيئة قد تهدد سلامتهم النفسية والجسدية.
الإصلاح ممكن، لكنه يتطلب
إرادة حقيقية وتعاونًا بين الدولة والمدرسة والأسرة والمجتمع المدني.
فالأطفال هم مستقبل الوطن…
وحمايتهم وصناعة تعليم أفضل لهم هو واجب لا يحتمل التأجيل.
